ساعة جعل الحسنات هباء منثوراً
نظرت إلى الصلوات، ونظرت إلى الصيام والحج فإذا بها قد جعلها الله هباءً منثوراً، نظرت إلى عبادتك إلى طاعتك ففرحت، جبال من الحسنات فإذا الله عز وجل يجعلها هباءً منثوراً! لم؟ في ليلة من الليالي كنت تجلس لوحدك فتعصي الله، فتجد بعض الناس في تلك الساعة يعضون أصابعهم من الندم وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً [الفرقان:27]^.
شاب صالح كان يصلي مع الناس، وكان ملتزماً بدين الله، تعرف على بعض الشباب الفسقة الفجرة، تعرف عليهم ولم يكن يعلم خطر جليس السوء، فاستدرجوه ليذهب معهم إلى بؤر الزنا والخنا، فراودوه حتى أقنعوه بهذا، فذهب معهم إلى تلك الدولة، وفي تلك البلاد لم يكن يمضي معهم الليل، كان إذا جاء الليل ذهب لوحده في الغرفة فأغلق على نفسه الباب حتى لا يعمل معهم المنكرات، فهو شاب طيب صالح، كل ليلة على هذه الطريقة يجلس معهم في النهار، فإذا جاء الليل ذهب لوحده في الغرفة وأغلق على نفسه الباب، ولم يرض أهل السوء والفجور إلا أن يدخلوه معهم في جهنم، وفي تلك الليلة أتوه بامرأة عارية ففتحوا عليه الباب، وأدخلوا المرأة إلى الغرفة ثم أغلقوا الباب عليه، ومازالت تراوده وتراوده حتى وقع عليها، فلما وقع عليها قبض الله روحه.
وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً [الفرقان:27-29]^.
ماذا ترى في يوم الحسرة؟ ترى بعضهم يصرخ ويقول: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً [النبأ:40]^ تنظر يمنة ويسرة فترى الولدان قد شابت رءوسهم، ترى القلوب قد بلغت الحناجر في يوم الندم والحسرة، ترى بعض الناس يصرخ، ما هذا؟! لأنه كان يزني ويشرب الخمور والمخدرات، كان لا يصلي، كان لا يعرف لله عز وجل حقاً، تنظر إليه في تلك الساعة وهو يبكي ويقول: يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ [الزمر:56]^ وبعضهم ماذا يقول؟ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [الزمر:57]^ وكذب والله! لو كان يريد الهداية لهداه الله، ولو بدأ بالخير لأعانه الله عليه: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً [الإنسان:3]^ حتى يوم القيامة يكذب على الله ويقول: لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [الزمر:57]^.
ساعة الوقوف للحساب
وفي تلك اللحظة وهو قد ندم وتحسر يناديه الله عز وجل، وتناديه الملائكة: أين فلان بن فلان؟ فيريد أن يهرب لكن الملائكة يأتونه ويجرجرونه بالسلاسل، فيقف أمام الله فيذكره الله عز وجل بذنوبه ومعاصيه، فيقال له: أتذكر ذنب كذا؟ أتذكر تلك الليلة؟ أتذكر ذلك النهار؟ أتذكر يوم كنت تستهزئ بالصالحين؟ أتذكر يوم كنت تغتاب الناس؟ أتذكر ذلك المجلس الذي كنت تستهزئ به من فلان وفلان؟ أتذكر وتذكر ثم يقال: خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * >ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ [الحاقة:30-32]^.
انظر إلى حالهم أمام الله وقد قُرروا بالذنوب وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ [السجدة:12]^ بلغت القلوب الحناجر وشخصت الأبصار، انظروا إلى النار التي كنتم تستهزئون بها وتكذبون: أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ * اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا [الطور:15-16]^ انظروا إلى النار وَرَأى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفاً [الكهف:53]^.. يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ [القمر:48]^.
مثل وقوفك يوم الحشر عريانا مستعطفاً قلق الأحشاء حيرانا
النار تزفر من غيظ ومن حنـق على العصاة وتلقى الرب غضبانا
اقرأ كتابك يا عبدي على وجل انظر إليه ترى أن كان ما كانا
لما قرأت كتاباً لا يغادرني حرفاً وما كان في سرٍ وإعلانا
نادى الجليل خذوه يا ملائكتي روا بعبدي إلى النيران عطشانا
يا رب لا تخزنا يوم الحساب ولا تجعل لنارك فينا اليوم سلطانا