بقلم: محمد ب**** ||
كان صرار ونملة يعيشان بالقرب من مكان تكثر فيه النباتات والأشجار. فالنملة كانت تصرف يومها في التقاط حبات القمح والذرة وتخزنها تحسبا لصعوبة فصل الشتاء.
بينما كان الصرار يجزي وقته في الصفير والعزف على قيثارته صباح مساء، والتمتع بحلاوة الفصل الجميل، متنقلا بين المقاهي والمسارح ،مغنيا هنا ،راقصا هناك ، غير آبه بقرب حلول فصل البرد والرياح .
وحين أقبل الخريف وبعده الشتاء، تهاطلت الأمطار جارفة معها كل الأعشاب وفتات الخبز المتناثرة...اختبأت النملة في بيتها، حاضنة على ما ادخرته من مؤونة ومتأملة في ما سيجنيه جارها الصرار الكسول لأن البرد والرياح ستمنعه من مواصلة اللهو والغناء.
وذات يوم، جلست النملة بعد أن أضناها التعب فرب مسكنها واضعة كفيها على خديها غارقة في تفكير عميق...
وما هي إلا هنيهة حتى استفاقت من سرحانها على احتكاك عجلات عند قدميها...رفعت رأسها وإذا بعينيها تصطدمان بهيكل سيارة فارهة في سواد يضاهي سواد راكبها. نزل السائق وفتح الباب الخلفي وإذا بجارها الكسولـ الصرارـ الذي كان يوما يقف ببابها مستجديا حبة من حبات شقائها التي كانت تمضي الصيف كله في جمعها ، ينزل وينظر إليها بنظرات تنم عن تعال، وتشف، ثم ابتسم وقال لها:" صباح سعيد يا نمولة ؟ جئت لأودعك لأنني سأسافر إلى باريس لأحيي بعض السهرات هناك."
رفعت النملة المسكينة رأسها منبهرة وسألته: "من أين لك بهذه السيارة الفاخرة وهذا اللباس الأميري؟ وأين وجدت المال للذهاب إلى باريس؟" ـ"لقد اكتشفني أحد المنتجين وأنا أغني في أحد الملاهي واقترح علي عقدا مغريا أحيي بموجبه عدة حفلات في كبريات المسارح بفرنسا. اركبي معي علني أجد لك عملا ولو ككومبارس بإحدى البلاطوهات..."
إستشاطت النملة غيضا مما سمعته وطأطأت رأسها ، رافضة طلب الصرارالحاط من كرامتها. ـ "كما تريدين..." قالها وهو يركب السيارة ،ثم سألها :" نمولة ، ألا ترغبين في شيء من باريس ؟ "ـ "بلى ...إذا التقيت السيد جان دو لافونطين قل له ، ليذهب إلى الجحيم !!! " انطلقت السيارة مخلفة وراءها سحابة من الدخان...زفرت النملة متنهدة وانسحبت في صمت، منكسرة الخاطر...
العبرة : من الواجب أن نستفيد من الحياة لأنها قصيرة، وأن نوازن بين الكد والإجتهاد من جهة، وبين الأنشطة التربوية الهادفة (رياضة، ثقافة، فنون، ترفيه، أسفار...) من جهة أخرى...لأن ذلك يساهم في تكوين شخصية الإنسان...